نقاش : المسلم والمؤمن .. بين المصطلح القرآني والمصطلح الشائع

هل انت مسلم ؟ اذا فهل انت مؤمن ؟ مالاوسع الاسلام ام الايمان ؟ ماهو الاسلام اصلا وما هو الايمان ؟

احدى ايات القران الكريم تقول :(( ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف اللذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جائهم العلم بغيا بينهم )) .. اية اخرى تقول :(( هو سماكم المسلمين من قبل )) .. فمن قبل ماذا ؟ من قبل بعثة محمد بالاصل ؟

باختصار .. منهجية القران بحد ذاته مختلفة كليا عن ما يتم تداوله اليوم بعد الاستناد على الاحاديث بجعلها بنفس قوة القران لتفسير القران .. او اقوال السلف او التفسير اللغوي البحت

القران يوضح بعدة ايات صريحة حقيقة الاسلام والايمان والكفر عبر فصل منطقي يوضح خصائص كل منهم .. للشيخ حسن فرحان المالكي بحث حول مراتب الاسلام استنادا على سياقها وكذلك مراتب الكفر .. لكن في الواقع لنكون صريحين فكلها تصب في مصب لن يفيدنا غيره هنا .. وهو ان تنصاع للحقيقة التي تنص على اتباع الدين الاسلامي

للتفصيل بصورة اكبر .. في القران هناك “الناس” و “الكافرين” و “المؤمنين” و “المشركين” .. فالاولى هي ما يشمل كل من لم تصله الدعوة بشكل مقنع .. فما إن تصله حتى يصبح مخيرا بين الاسلام او الكفر .. فالاسلام هنا هو اتباع ما جاء في الدعوة والكفر هو الاعراض دون دليل ( بشكل مجمل وغير مفصل فله مراتبه ايضا كما اسلفنا ) .. ثم ان المسلمين انواع منهم المؤمنين

فمن هم المؤمنين ؟ وما دليل كلامك هذا كله ؟ .. حسنا لنبدأ مع الاية الاكثر اشكالية في القران الكريم عند اصحاب المذاهب .. حيث تنص على :(( ان اللذين امنوا واللذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ))

بالمفهوم الشائع الناس اما مسلم او كافر .. والمسلم هو من اقام اركان الاسلام الخمسة .. كالصلاة والزكاة والصيام والحج .. مع العلم ان اليهود والنصارى صفة صلاتهم وصيامهم مختلفين عن الموجود في الاسلام .. على اقل تقدير في صلاتهم لن يقرأوا القران او يصلوا على النبي ( باعتبارها حديثة عليهم وبالتسليم جدلا ان صلاتهم مشابهة لصفة صلاتنا واوقاتها ) .. وان قال احدهم انها ديانات سماوية فيصح شرعها ( رغم ان السائد خلاف ذلك ) فما رأيك بالصابئين ؟ .. كان يقول المشركون لمن يسلم انه صبئ – حسب الروايات – .. الصابئون هم الرافضون لكل الديانات ويتعبدون الله بطريقتهم الخاصة في التامل والتفكر والحمد واصلاح النفس .. كما كان يفعل الرسول قبل نزول الوحي .. هؤلاء قد لا يصلون اساسا وقد يصلون بطريقتهم الخاصة اللتي لم تنزل في كتاب سماوي .. هذه الاية تعد اكثر اية مشكلة في القران لانها تخالف السائد اللذي تم صياغته بايدي سياسية وجاهلة منذ العصر الاموي وحتى اليوم

حسنا اذن .. ماللذي تريد ايصاله ؟ .. ما اريد ايصاله ان الفهم الشائع متهافت لانه لم ينظر لما يقوله القران تجاه هذه المسائل .. فبداية الناس ليسوا مجرد مسلم وكافر .. فالكفر لغة هو التغطية وقد ياتي بمعنى الجحود .. وكليهما يحتاج الى شيء اولا كي نغطيه او نجحده .. بدون العلم بالدعوة الاسلامية ومحتواها فماللذي تغطيه ؟ .. الكافرون لهم نار جهنم .. لكن بالمقابل هناك اية اشكالية اخرى لهذا الفهم وهي :(( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) .. معنى الاية الواضح ان الهدف من ارسال الرسل ابطال حجة عدم العلم .. وما دامت غير مرفوضة منطقيا بل انطلق الى التطبيق بارسال الرسل فهي حجة مقبولة .. فمن لم يصله العلم او وصله مشوها كمن لم ياته نبأ الرسل وبالتالي لديه هذه الحجة في عدم اسلامه .. وبالتالي لا لغويا ولا بالقران هو كافر لانه لم يعرف لكي يتسنى له ان يغطي وايضا حجته هذه – من ظاهر الاية – تمنع دخوله النار .. ما الاسم القراني لهذه الفئة ؟ .. نعم انه الناس 🙂

بالمقابل بعد ان يعلم الناس العلم الكافي لاقامة الحجة عليهم لا يصبح بقاؤهم في خانة الناس خيارا ممكنا .. وانما يصبحون مجبرين اما على الاسلام او الكفر .. قبلا قلنا ان الاسلام هو تصديق الدعوة والعمل بها والكفر هو الاعراض عنها .. فما هي تلك الدعوة ايضا ؟ .. هل اللذين هادوا والنصارى والصابئين سيدخلون الجنة فلا خوف ولا هم يحزنون اذا امنوا بالله وعملوا صالحا الا اذا وصلتهم دعوة الاسلام ؟ اذا من هم اللذين امنوا وتم ادراجهم الى نفس القائمة ؟

نص الاية يقول :(( ان الدين عند الله الاسلام )) .. ومراتب الاسلام كلها تحث على التصديق والاتباع للمعلومة الصحيحة بشكل عام .. فهل الدين كله مجرد اتباع ما نعتقده صحيحا ؟ .. في الواقع هذا غير دقيق لان كون هاتف سامسونغ الاخير اقوى من الايفون الجديد لا يعني ان علي لزاما ان اشتري الافضل او ان اشتري اصلا .. ما اعنيه انه من غير المعقول ان كل شيء نتلقاه في حياتنا يجب ان ناخذ تجاهه موقفا وبالتالي فعلا .. وهذا يتنافى اساسا مع الكثير من الايات التي تتحدث عن الحرية والمتعة كالاية :(( يا ايها اللذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم )) ولم يحدد النوع والكمية والوقت .. اذا فما هي الدعوة ؟ .. حسنا هي اية اشكالية اخرى :(( قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ان لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون )) .. ووجه الاشكال هنا هو ان اهل الكتاب هم اليهود والنصارى اللذين كما سبق وقلنا صلاتهم وعبادتهم اجمالا مختلفة .. لكنهم مطالبون بثلاثة شروط فقط ليصبحوا مسلمين .. وهي : ١- ان لا نعبد الا الله ٢- ولا نشرك به شيئا ٣- ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله .. او لنقل هذه هي اركان الاسلام في القران

هذه هي المسائل اللتي نحن مطالبون بها وفقا للقران لنصبح مسلمين .. لا اقل ولا اكثر .. وهذا يتفق مع اية :(( ان اللذين امنوا واللذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) .. اذا فدعوة الاسلام مقتضاها فقط ان تشهد ان لا اله الا الله معتقدا بها مطبقا لمقتضاها واللذي هو اركان الاسلام الثلاثة

حسنا اذن فمن هم اللذين امنوا ؟ .. للجواب على هذا السؤال علينا ان نرجع قليلا لنرى اركان الاسلام الشائعة .. الشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج ان استعطت اليه سبيلا .. لايوجد منها ما يتعلق بالايمان بصحة ما في القران ! .. وان قلت ان هذا ضمني في شهادتك لمحمد بانه رسول الله فهذا يعني تصديق كل مافي القران .. وبالتالي فكل ما امر به القران ركن وكل ما نهى عنه ناقض من نواقض الاسلام .. ولم يكن هناك داعي من جعلها خمسة لان الصلاة والزكاة والصيام والحج بدورهم موجودين ضمنيا في القران .. اذ يكتفى بالشهادتين وما تتضمنه .. لنكون اكثر صراحة .. فان القران لم يخصص هذه الاركان بينما خصص اركان الايمان الشائعة ( باستثناء الايمان بالقدر خيره وشره ) وهي في اية :(( امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير )) .. لكن هذه الشروط غير دقيقة لتكون اركان الايمان حيث ان هناك اية اخرى تقول :(( يا ايها اللذين امنوا امنوا بالله ورسوله والكتاب اللذي نزل على رسوله والكتاب اللذي انزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا )) لم يقل يا ايها المسلمون امنوا بل طالب المؤمنين بذلك ( وهذا يهدم انها اركان الايمان لانهم حققوه سلفا لكنه طالبهم بالمزيد ) .. فماذا تكون هذه الاركان ؟ .. حسنا يمكن توضيح القران بالقران .. هذه الاية ستفسر الامر :(( ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من امن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة واتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك اللذين صبروا واولئك هم المتقون )) .. هذه شروط ان تكون من المتقين

يظل السؤال قائما .. من هم المؤمنون اذن ؟ .. بالعودة الى اركان الاسلام الشائعة فقد لخصناها لاثنين .. شهادة ان لا اله الا الله ( وهي شرط ان تكون مسلما وفقا للقران ) وشهادة ان محمدا رسول الله التي ان اعتقدت بها فستصدق بالقران وبالتالي بكل ما يحتويه .. في اعتقادي ان اللذين امنوا هم من اضافوا على الركن الاول الركن الثاني وهو الشهادة بان محمدا رسول الله .. وبذلك هم فقط جزء من المسلمين وفقا للقران لكنهم يتبعون محمدا ويشهدون له بالرسالة .. وبالتالي فاركان الاسلام والايمان الشائعة اضافة للمطابقة للمصطلح القراني تتحقق بالكامل عند المؤمنين

اذا فدعوة القران الاساسية هي ان يكون الناس مسلمين .. لكن الاضافة الباقية هي لمن اراد ان يكون من المؤمنين .. اما المشركين فهم يعتقدون بان الله اله لكنهم يصرفون العبادة لغيره .. لذلك هم صنف من الكافرين كما ان المؤمنين صنف من المسلمين

ختاما .. هناك مصطلح شائع عند غير المسلمين ان المسلم هو المتدين بالدين الاسلامي الشائع .. بينما المؤمن هو المعتقد بوجود الاله المحاسب .. بغض النظر عن ان كان يتبع دينا ام لا وماهو ذلك الدين

انا عن نفسي مسلم وفقا للقران الكريم مؤمن بالمصطلح الشائع عند غير المسلمين .. ماذا عنك ؟ 🙂


أضف تعليق