نسبية الشخصيات القياسية .. منظور جديد لنظريات الشخصيات

السلام عليكم 🙂

هل سبق واختبرت اختبارا لتحليل الشخصية .. ثم اعدت الاختبار فحصلت على نتيجة مختلفة ؟ .. او تسائلت لماذا الاوصاف المكتوبة عن شخصيتك لا تتوافق معك ؟ بل ربما انك وجدت شخصية اخرى وصفها لك ادق .. او ربما تسائلت ما سبب كل هذا ؟

في هذه المقالة ساحاول تناول مشاكل نظريات تحليل الشخصيات اجمالا و يونغ وما بني عليه من مؤشرات خصيصا ( راجع موجز النظريات ) .. ثم في نهاية المقال اقترح حلا للمسالة من منظوري .. علما بان الارجح ان هذه المادة دسمة لكن ساحاول تبسيطها باذن الله 🙂

نبدأ بالاسباب اللتي تجعل النتيجة تختلف .. بداية بفلسفة علم النفس التحليلي للشخصية .. حيث تقول التالي :

شخصية الانسان الحالية هي نتيجة لعوامل فطرية ومكتسبة طوال سنين حياته .. صقلت شخصيته بهذا الشكل .. ثابتة وغير قابلة – او على الاقل صعبة – التغير ( مع امكانية تغير اجزاء منها ليست عميقة ولا كبيرة )

ونظرا لقابليتها للتغير – ولو كانت ضئيلة – فالتغير يكون في مراحل الصغر او الضغط او اي حالة من عدم التوازن العاطفي وقابلية البرمجة .. لكن يضل لكل تغير سبب يمكن معرفته وبالتالي التنبؤ بسلوك الشخص في اي موقف .. ويضل كلما ازداد الشخص نضجا قلت قابلية تغير شخصيته .. وكلما ازداد استخدام جزء كلما ترسخت طريقته ( مشابه لقول ارسطو : نحن ما نكرر فعله )

ايضا فلأن لكل انسان صفاته الفطرية والمكتسبة الخاصة به فبالتالي له شخصيته الخاصة به .. واللتي تظل قابلة للتنبؤ بالنظر لادق تفاصيل تاريخه ( نظريا على الاقل ) .. وبالتالي فالاسباب في الواقع هي التي تنشئ الدوافع

هذه هي شخصية الانسان من وجهة نظر علم النفس التحليلي .. لكن بها ثغرة مفيدة جدا استفاد منها يونغ نفسه ومن بعده .. وهي الاجزاء الثابتة والاقل قابلية للتغير .. لانها اكثر استخداما وبالتالي ارسخ .. وربما تكون فطرية ايضا .. حيث انطلق يونغ مثلا من ميل اللبيدو ( الطاقة النفسية الكلية ) للانسان – وفقا لنظريته – في الاغلب الى احد الطرفين الانطوائي والانبساطي ( رغم ان بعض الدراسات اثبتت ان اغلبية الناس ميلهم معتدل ) .. ومن ذلك فروعها الاربعة حيث الوجدان ضد التفكير والحدس ضد الحس في كل طرف على حدة ( يعني الوجدان الانطوائي ضد التفكير الانطوائي وليس ضد التفكير الانبساطي رغم اشتراكهما في مهمة ” التقرير ” Ji ) .. ومن هنا خرج مفهوم النمط

والاعتراضات على هذه النقاط اوجزها كالتالي :

اولا هل شخصية الانسان بالاصل قابلة للتنبؤ ؟ .. هل هي مجرد نظام يعمل على تلبية احتياجاته الواعية واللا واعية مبتعدا عن مخاوفه الواعية واللا واعية ؟ .. ربما ان لديه جزء حر .. او على اقل تقدير ربما ان فيه جزء عشوائي لنتائجه تاثير على الشخصية العامة والسلوك النهائي .. لذلك مالم يتم اثبات انه نظام محكم ( اي سنعرف من مدخلاته وطريقة معالجته بالضرورة مخرجاته ) ومالم تتطور التقنية لتعرف كل ذكريات الشخص ومدى وقعها عليه فهذا سيظل موضع جدل ( غير ان الاغلب انه غير قابل للاثبات لانه سيظل استقراء ناقصا وفقا للاشخاص الواقعيين والتخيلين اللذين تصل اعدادهم لمالا نهاية )

ثانيا بما ان لكل انسان شخصيته الخاصة .. الا يعني ذلك اختلاف طريقة استخدام الاجزاء الثابتة من شخص لاخر ؟ ( ربما شخص لديه التفكير الانطوائي لكن طبيعة ذلك التفكير مختلفة عن التفكير الانطوائي لشخص اخر لاختلاف ما فطر عليه كل منهما او لاختلاف تجاربه ) .. هذا من شأنه ان يجعل فكرة مثل الوظائف الثمانية غير دقيقة لان كل وظيفة منها تحتمل ان تكون مالا نهاية من الانواع ! ( باضافة التخيليين كما اسلفنا )

ثالثا – وكما كتبت بالاعلى – فالتجارب تثبت قابلية الاشخاص للتغير بل وميل اغلبيتهم للحياد وليس التطرف .. وبالتالي نتائج محتملة اكثر .. اضافة الى ان هذا دليل على ان تغير الشخصية ليس بتلك الصعوبة

رابعا افتراض تساوي العقول في التحليلات .. ما معنى هذا ؟ .. معناه انه يقيم الناس وكانهم جميعا لديهم نفس ( الكم ) لكنهم يختلفون في الكيف

للتبسيط اكثر تخيل ان هناك شخص لديه ستة عشر نقطة .. وزع تلك الستة عشر نقطة على الثمان وظائف .. الان ماهي احتمالات توزّع تلك النقاط ؟ .. ربما لكل وظيفة 2 .. ربما هناك بعضها 1 واخرى 3 .. ربما هناك اكثر من وظيفة لديها نقطة واحدة في حين ان هناك وظيفة واحدة هي من تاخذ النقاط الفائضة .. ربما ليست وظيفة واحدة من تاخذ النقاط الفائضة .. هناك عدد كبير من الاحتمالات لكيفية توزّع تلك النقاط رغم صغر عدد النقاط ( حوالي 512 احتمال ) .. فلو كانت تسعة نقاط على ثمانية وظائف فهناك ثمانية اشكال محتملة رغم ان الفارق نقطة واحدة فقط .. هذا هو تصور علم النفس التحليلي .. حيث النقاط هي الكم .. وتوزيعها هو الكيف .. والنتائج المحتملة هي الانماط

لكن ماذا لو عدلنا في نفس المثال .. فقلنا ان ليس كل الناس لديهم 16 نقطة فقط .. هناك من لديه 8 وهناك من لديه 100 وهناك من لديه مليون وهكذا بسقف مفتوح .. بعيدا عن عدد الاحتمالات الهائل الممكن .. فهناك فكرة ذكية وهي فكرة النسب .. حيث الجميع بغض النظر عن نقاطه سنقيس نسبة كل وظيفة الى الكل .. لكنها مخادعة .. شخص لديه 100 نقطة .. منها 10% على وظيفة التفكير الانطوائي مثلا .. وشخص اخر لديه 10 نقاط منها 10% على وظيفة التفكير الانطوائي .. في النسب هم متساوون .. وبالتالي فلهم نفس الشخصية !! رغم ان هذا مفضوح تماما بكون نقاط التفكير الانطوائي الخاصة بالاول تتفوق على كل نقاط الشخص الثاني الا انها خدعة انطلت على الكثيرين .. اما بحسن نية تفترض تساوي العقول .. او بخبث ليبقى مؤشره قويا

على اقل تقدير .. مالم تكن فكرة تساوي العقول خاطئة تماما فهي غير مثبتة ( ولا اعتقد انها قابلة للاثبات اصلا )

خامسا عدم الشمول .. اساسا اغلبية المخططات والتحليلات تصنف الناس لقسمين على الاقل .. القسم السوي والمريض النفسي .. في حين ان الامر في حقيقته نسبي .. انطلاقا من فرضية صغيرة تنص على امكانية ان نكون نحن المرضى والمرضى هم الاصحاء .. من نفس المثال بالاعلى لو نلاحظ يجب ان تكون لكل وظيفة نقطة على الاقل .. ماذا ان كانت هناك وظيفة او وظائف عند بعض الاشخاص ليس لها نقاط ( ولو تخيليا ) .. فهو يعتبرنا نحن المرضى لان لدينا زوائد .. زوائد ؟ .. ماذا لو كان هناك وظائف غير الوظائف الثمانية موجودة عند بعض الاشخاص ؟ .. ماذا لو كان بعض الاشخاص لا يعتمد اصلا على الوظائف الثمانية بل على ما اعتبرناه لتونا زوائد !


ثانيا : اشكالية الاختبارات والمؤشرات .. بعيدا عن ما في الاعلى من اعتراضات على الفلسفة التي تقوم عليها تلك الاختبارات .. فهناك مشاكل اخرى مثل :

  • اخطاء المحلل المعرفية

1- الخلط بين الصفات الاصلية والعرضية .. لكل نمط في اي نظرية صفات اساسية .. اذا تغيرت اصبح نمطا اخر ( كمثال MBTI .. الشخص اللذي يكون انطوائيا ، حدسيا ، منطقيا ، مرنا هو المفكر INTP .. في حال قلنا انه غير مرن يصبح INTJ .. وفي حال قلنا غير حدسي يصبح ISTP وهكذا ) .. وهناك صفات متوقعة ( مثلا INTP يتوقع ان يكون بارعا في التعامل مع النظريات ) تفيد الترجيح في حال عجز تحديد الصفات الاساسية اضافة للتشكيك في من لا يمتلكها بانه ربما من نمط اخر لكنها لا تفيد القطع كالصفات الاساسية .. لكن كل هذا يعد اصليا لانه مستنبط من الصفات الاساسية .. اما الصفات العرضية فهي كميل بعض الشخصيات للالحاد او الاكتئاب وغيرها .. حتى لو استنبطناها من الاصل فستظل ضعيفة لان تلك الصفات تتاثر بعوامل غير النمط اكثر من تاثرها بطبيعة النمط نفسه ( ومن هنا في نظرية يونغ يفترض ان لا نقول عن اي شخصية انها اجتماعية او لا او ملتزمة او لا .. وهذا على خلاف MBTI كما سافصل اكثر في النقطة التالية )

2- خامسا الخطأ في فهم النظرية التي بني عليها المؤشر ( كخطأ مايرز بريغز على نظرية يونغ ) .. في حال كان المختبر او المحلل لا يفهم النظرية اللتي يحلل من خلالها فسيكون عرضة لاختلاق الكثير من الكذب الغير متعمد عليها .. كمثال مايرز و بريغز ارادتا ان تضعا مؤشرا بسيطا لنظرية يونغ .. في الواقع يونغ يعني ب I/E حالة الوظيفة الاولى من حيث الانطواء ( التركيز ) والانبساط ( الانتشار ) .. لكن تم تحريفها لتصبح متحفظا واجتماعيا .. اضافة للبعد J/P اللذي عنى به يونغ ايضا نوع الوظيفة الانبساطية الاولى من حيث الارسال والاستقبال ( حيث الحدس والحس P والتفكير والوجدان J ) .. لكنها تحرفت لتصبح حازم ومرن .. وبالتالي فربما تكون INTP في يونغ لكنك INTJ في MBTI

  • اخطاء المحلل من حيث الصياغة

1- عدم وضوح الاسئلة .. عندما يكون السؤال يوحي بمعنيين او اكثر .. او عندما يكون غامض ومعقد فلا يفهمه الا صاحبه .. صياغة الاسئلة بهذه الطريقة تؤدي لاجابات عشوائية او على اقل تقدير ستحصل على الاجابة الصحيحة على السؤال الخاطئ

  • اشكاليات العميل

1- الضغط والمزاج .. احيانا يختبر الشخص وهو في مزاج سيء فيميل للمنطقية والحزم ( في MBTI مثلا ) وربما التحفظ والحسية ايضا .. او يكون في حالة سعادة غامرة فيميل للعكس .. او يكون في فترة ضغط تحوله الى الشخصية الاكثر جدية لديه ( مثلا يصبح ال NTs في الضغط اما عاطفيين سلبيين او ENTJs وهذا الارجح ) .. المشكلة ان مسالة المزاج “الطبيعي” هي ايضا نسبية لنفس الاسباب ( ربما المزاج اللذي نعتبره الان انه هو الطبيعي في الحقيقة هو السلبي لكن لاننا سلبيين نرى انه الطبيعي .. فلا وجه للجزم هنا )

-مشكلة النظام

1- قابلية ان لا يشترك شخصين من نفس النمط الا في 1% من الصفات ( ان لم يكن اقل ) .. ما المقصود بهذا ؟

لنستخدم نفس مثال النقاط .. لكن سنضيف عليه فكرة بسيطة .. وهي ماذا ان كان نصف النقاط لونه احمر والنصف الاخر اصفر .. الان حتى لو تساوى شخصين تماما في توزيعهما للنقاط .. الا ان الالوان قد تكون متعاكسة تماما

نفس الشيء على الاختبار المكون من 36 سؤال حيث هناك تسعة اسئلة على كل خانة ( مثلا في MBTI بين T و F ) .. ربما اجيب على خمسة اسئلة تثبت انني T .. شخص اخر ايضا اجاب على خمسة اسئلة تثبت انه T .. لكن اسئلته التي جعلته T اجبت عليها بشكل يجعلني F الا واحد .. وهو ايضا اجاب على اسئلتي التي جعلتني T باجابات تجعله F الا واحد .. التشابه الحقيقي بيننا هو 1 من 9 فقط .. بينما شخص اخر اجاب نفس اجاباتي باستثناء واحد فاصبح F .. التشابه الحقيقي بيننا هو 8 من 9 !!

فنوعية الاسئلة ( الوان النقاط ) قد تكون اكثر اهمية من نتيجة الاسئلة النهائية ( كمية النقاط في كل وظيفة )


الحل ؟

ان نضع شخصيات قياسية وكانها شخصيات فلم .. نقترب منها و نبتعد عنها فحسب بنوعية الاسئلة .. ولكل شخص شخصياته القياسية وفقا لتصوراته حولها .. ايضا شروط الشخصيات العامة والخاصة لديه .. هذا قد يظهر وكانه مجرد اضافة اعداد هائلة من التصنيفات فحسب .. مالم نوضح انه ايا كان ذلك العدد فهو مجرد شخصيات اختارناها لتكون القياسية .. وليس ان كل الناس محصورين بتلك الشخصيات


رأي واحد حول “نسبية الشخصيات القياسية .. منظور جديد لنظريات الشخصيات

أضف تعليق